سورة الحج - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


{ثَانِيَ عِطْفِهِ} أي: متبخترا لتكبره. وقال مجاهد، وقتادة: لاوي عنقه. قال عطية، وابن زيد: معرضا عما يدعى إليه تكبرا. وقال ابن جريج: يعرض عن الحق تكبرا. والعطف: الجانب، وعطفا الرجل: جانباه عن يمين وشمال وهو الموضع الذي يعطفه الإنسان أي يلويه ويميله عند الإعراض عن الشيء، نظيره قوله تعالى: {وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا} [لقمان: 7]، وقال تعالى: {وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم} [المنافقون: 5]. {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} عن دين الله، {لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ} عذاب وهوان، وهو القتل ببدر، فقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا. {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ} ويقال له: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} فيعذبهم بغير ذنب وهو جل ذكره على أي وجه شاء تصرف في عبده، فحكمه عدل وهو غير ظالم. قوله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الآية نزلت في قوم من الأعراب كانوا يقدمون المدينة مهاجرين من باديتهم فكان أحدهم إذا قدم المدينة فصح بها جسمه ونتجت بها فرسه مهرا حسنا وولدت امرأته غلاما وكثر ماله، قال: هذا دين حسن وقد أصبت فيه خيرا واطمأن إليه، وإن أصابه مرض وولدت امرأته جارية وأجهضت رماكه وقل ماله، قال: ما أصبت منذ دخلت في هذا الدين إلا شرا فينقلب عن دينه، وذلك الفتنة فأنزل الله عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أكثر المفسرين قالوا: على شك وأصله من حرف الشيء وهو طرفه، نحو حرف الجبل والحائط الذي كالقائم عليه غير مستقر، فقيل للشاك في الدين إنه يعبد الله على حرف لأنه على طرف وجانب من الدين لم يدخل فيه على الثبات والتمكن وأصله كالقائم على حرف الجبل مضطرب غير مستقر، يعرض أن يقع في أحد جانبي الطرف لضعف قيامه، ولو عبدوا الله في الشكر على السراء والصبر على الضراء لم يكونوا على حرف، قال الحسن: هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ} صحة في جسمه، وسعة في معيشته، {اطْمَأَنَّ بِهِ} أي: رضي به وسكن إليه، {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} بلاء في جسده، وضيق في معيشته، {انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} ارتد ورجع على عقبه إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر، {خَسِرَ الدُّنْيَا} يعني هذا الشاك خسر الدنيا بفوات ما كان يؤمل، {وَالآخِرَةَ} بذهاب الدين والخلود في النار. قرأ يعقوب {خاسر} بالألف {وَالآخِرَةَ} جر. {ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} الظاهر.


{يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُ} إن عصاه ولم يعبده، {وَمَا لا يَنْفَعُهُ} إن أطاعه وعبده، {ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} عن الحق والرشد. {يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ} هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلة:
أولها قالوا: قد قال الله في الآية الأولى {يدعو من دون الله ما لا يضره}، وقال هاهنا: {لمن ضره أقرب}، فكيف التوفيق بينهما؟
قيل قوله في الآية الأولى {يدعو من دون الله ما لا يضره} أي: لا يضره ترك عبادته، وقوله: {لمن ضره أقرب} أي: ضر عبادته.
فإن قيل: قد قال: {لمن ضره أقرب من نفعه} ولا نفع في عبادة الصنم أصلا؟.
قيل: هذا على عادة العرب، فإنهم يقولون لما لا يكون أصلا بعيد، كقوله تعالى: {ذلك رجع بعيد} [ق:3] أي: لا رجع أصلا فلما كان نفع الصنم بعيدا، على معنى: أنه لا نفع فيه أصلا قيل: ضره أقرب، لأنه كائن.
السؤال الثالث: قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ} ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه، فقال بعضهم: هي صلة، مجازها: يدعو من ضره أقرب وكذلك قرأها ابن مسعود. وقيل: {لمن ضره} أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه. وقيل: {يدعو} بمعنى يقول: والخبر محذوف، أي يقول: لمن ضره أقرب من نفعه هو إله.
وقيل: معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو، فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى، ولو قلت: يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب، ثم يحذف الأخير جاز.
وقيل: على التوكيد، معناه: يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه.
وقيل: {يدعو من} صلة قوله: {ذلك هو الضلال البعيد} يقول: ذلك هو الضلال البعيد يدعو، ثم استأنف فقال: {لمن ضره أقرب من نفعه} فيكون {من} في محل رفع بالابتداء وخبره: {لَبِئْسَ الْمَوْلَى} أي الناصر. وقيل: المعبود. {وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ} أي: الصاحب والمخالط، يعني: الوثن، والعرب تسمي الزوج عشيرا لأجل المخالطة.


قوله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ}. {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ} يعني نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم {فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} بحبل {إِلَى السَّمَاءِ} أراد بالسماء سقف البيت على قول الأكثرين، أي: ليشدد حبلا في سقف بيته فليختنق به حتى يموت، {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} الحبل بعد الاختناق. وقيل: {ثم ليقطع} أي ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقا، {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} صنيعه وحيلته، {مَا يَغِيظُ} {ما} بمعنى المصدر، أي: هل يذهبن كيده وحيلته غيظه، معناه: فليختنق غيظا حتى يموت. وليس هذا على سبيل الحتم أي: أن يفعله لأنه لا يمكنه القطع والنظر بعد الاختناق والموت، ولكنه كما يقال للحاسد: إن لم ترض هذا فاختنق ومت غيظا.
وقال ابن زيد: المراد من السماء السماء المعروفة.
ومعنى الآية: من كان يظن أن لن ينصر الله نبيه ويكيد في أمره ليقطعه عنه فليقطعه من أصله، فإن أصله من السماء، فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع عن النبي صلى الله عليه وسلم الوحي الذي يأتيه فلينظر هل يقدر على إذهاب غيظه بهذا الفعل.
وروي أن هذه الآية نزلت في قوم من أسد وغطفان، دعاهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام وكان بينهم وبين اليهود حلف، وقالوا: لا يمكننا أن نسلم لأنا نخاف أن لا ينصر محمد ولا يظهر أمره فينقطع الحلف بيننا وبين اليهود، فلا يميروننا ولا يئوننا فنزلت هذه الآية.
وقال مجاهد: النصر بمعنى الرزق والهاء راجعة إلى {مَنْ} ومعناه: من كان يظن أن لن يرزقه الله في الدنيا والآخرة. نزلت فيمن أساء الظن بالله عز وجل وخاف ألا يرزقه الله، {فليمدد بسبب إلى السماء}، أي: إلى سماء البيت، فلينظر هل يذهبن فعله ذلك ما يغيظ، وهو خيفة أن لا يرزق.
وقد يأتي النصر بمعنى الرزق، تقول العرب: من ينصرني نصره الله. أي: من يعطني أعطاه الله، قال أبو عبيدة: تقول العرب: أرض منصورة، أي: ممطورة.
قرأ أبو عمرو، ونافع، وابن عامر، ويعقوب: {ثم ليقطع} {ثم ليقضوا} بكسر اللام، والباقون بجزمها لأن الكل لام الأمر، زاد ابن عامر {وليوفوا نذورهم وليطوفوا} [الحج: 29] بكسر اللام فيهما، ومن كسر في: {ثم ليقطع} وفي {ثم ليقضوا} فرق بأن ثم مفصول من الكلام، والواو كأنها من نفس الكلمة كالفاء في قوله: {فلينظر}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8